LEADER

 إن العمل مطلوب، والسعي والحركة من ضروريات الحياة، وتنظيم الشؤون من دواعي الإتقان، وعليه فلا بد من رئيس ومرؤوسين، وقادة ومقودين، لتكتمل الحلقة وتسير العجلة على بركة من الله وتأييد منه سبحانه.

إلا أن هناك ما هو مطلوب في الناس قادة ومقودين، وينبغي أن يتوفر في حدوده المعقولة، لتسير الأمور بالشكل الذي يوصل إلى أفضل الحالات وأنبل الغايات وأحسن المقاصد، فتحيا جميع الأطراف الحياة المستقرة الهانئة السعيدة، ويعيش الجميع في أمن وأمان وطمأنينة وسلام.

فمن أهم ما هو مطلوب توفره في القائد نكران ذاته أمام ذوات الآخرين والتفكير بمصالحهم وتسيير شؤونهم قبل مصلحته وشأنه، لأن مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد، وهموم الأمة لها الأولوية في الانشغال بها والتفكير في إيجاد الحلول لها قبل هم الفرد، والعمل لتحسين وضع الرعية والرفع من مستوياتها وعلى كافة الأصعدة، هي الشغل الشاغل لكل من يتولى شأناً من شؤون الأمة.

ولعلنا نأخذ من الموقف المثالي الذي ضربه لنا نبي الله موسى عليه السلام مع طاغية الأرض فرعون أكبر دليل على نكران الذات، وتقديم مصلحة الأمة على مصلحته الشخصية، وذلك عندما أراد فرعون أن يمن على سيدنا موسى عليه السلام بما لقيه من رعاية وحظي به من إكرام عندما تربى في أحضان فرعون وقصره بقول فرعون له وتذكيره بـ “ألم نربك فينا وليداً، ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين”.

فيأتي الجواب من نبي الله موسى عليه السلام -وبدون أي تردد- نعم لقد فعلتها وأنا من الضالين البعيدين عن الوحي والنبوة، وهذا ما جعلني أهرب منكم خوفاً من القتل والقضاء على حياتي وإزهاق روحي، ولكن ما قيمة ما تمن به علي يا فرعون أمام إذلالك لقومي وأهلي وعشيرتي من بني إسرائيل، إذ تستعبدهم وتسخرهم لمنفعتك ومصلحة من حولك: “وتلك نعمة تمنها علي أن عَبدَّت بني إسرائيل” .

فما قيمة إكرامك لي ورعايتك لشخصي أمام إذلالك واستعبادك لأمة بكاملها، فالفرد أمام الأمة لا يساوي شيئاً، واحترامه وإكرامه لا يقابل بامتهان شعب وتعذيبه.

وهكذا يقف الحق شامخاً مستعلياً على الظلم والطغيان، والدرس بليغ ومؤثر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وتلتف الأمة من بني إسرائيل حول رسول الله موسى عليه السلام –غير هيّابة بكل ما هددت به، ويأذن الله لهم بالفوز والنجاة والطمأنينة والسلامة ويحقق الله لهم الخلاص ويجعلهم الغالبين.

فهل يعي القادة هذا الدرس، ويستوعبوا هذا الأنموذج فيقدمون مصلحة الأمة على مصالحهم، وينكرون ذاتهم، ويسعون لإنقاذ الجماعات التي يقودونها، ويسيرون على هدي الأنبياء ونهجهم، فيحظون بنصر الله وتأييده لهم، وتمكينهم فيما استرعاهم الله عليه، فيكسبون محبة من يقودونهم ويكونون عوناً لهم ودعماً ونصرة وتأييداً، فيعيشون حياتهم لآخرتهم، فيهنؤون ويسعدون ويحصلون على راحة في الدنيا ونعيم في الآخرة.

الشيخ/ خالد الصادقي