وهم الإنجاز

الكثير من أحاسيس الإنجاز تنتشر بين العامة، دون إنجازات قد تكون حقيقية مستمرة تغير شيئًا حقيقي ملموس. فالأغلبية يتحركون من أجل الإحساس وليس من أجل العمل، والمشكلة تتشكل عندما نخلط بين العمل وبين الإحساس بأننا عمِلنا وأنجزنا.

وإليك هذا المثال: تشعر مشهورة «السناب شات » بإحساس رائع عندما يتفاعل معها متابعيها، وربما تتوقف بعد بضعة محاولات من الظهور إن لم تجد تفاعلاً لما تقدمه. وفي المقابل تتحرك مشاعر المتابع كلما خصص وقتًا لمتابعة تلك المشهورة، فهو يملك فرصة لم تكن موجودة قبل سنوات، لمشاهدة فتاة جميلة من بيئته تظهر له كل يوم، إضافةً إلى معلومة يكتسبها بشكل سريع منها، مع اقتراحات عديدة لمطاعم وأماكن جديدة. أو ربما يكتفي المتابع فقط بالترفيه عن نفسه عوضًا عن استثمار وقته بشكل مفيد كقراءة كتاب ما.

وما يجعل المشهورة تستمر، هو تفاعل الآخرين معها. ومهما زاد التفاعل، لا نستطيع أن نطلق على ظهورها المستمر (في سناب شات مثلًا ) إنجازًا حقيقيًا يضيف قيمة للمجتمع. كل ما في الأمر أنها تظهر باستمرار، تُصبِّح وتُمسّي على متابعيها، وتشاركهم ما تفعله خلال يومها.

قبل الحديث عن أسباب هذه المعضلة، لا بد من الحديث عما يسمى بـ “السعادة الفورية”، فماذا يعني هذا المصطلح؟

السعادة الفورية، هي: «الرغبة في تجربة المتعة أو الإشباع النفسي، دون تأخير أو تأجيل. أو بمعنى؛ أنك عندما تريد أن تشعر بإحساس المتعة، تريده الآن وفورًا».

السعادة الفورية هي المحرك بما نسبته 90% من تصرفاتنا اليومية بشكل غير واعي، ولا يحسِب الفرد فينا بالضرورة التبعات القادمة أو تأثيرها على الآخرين بدقة كبيرة. وهذا ما يجعل الكثيرين منّا لا ننتبه مثلاً لأضرار بعض عاداتنا اليومية كتناول السكر بكميات كبيرة وعدم ممارسة الرياضة بانتظام، وطبعًا قضاء الكثير من الوقت على شاشة الهاتف الجوال أو التلفاز بقية اليوم.

لماذا الأعمال والمشاريع طويلة الأمد لا نستطيع تحملها أو لا تشعرنا بالسعادة الفورية؟

قد نكتشف في منتصف الطريق أن الكتاب الذي نقرأه ممل جدًا أو نجد أننا ضعنا قليلاً وسط المشروع الذي نعمل عليه، وبالتالي يتوجه عقلنا إلى تعويض هذا الوقت والمجهود بالانشغال بأمور سريعة المردود بشكل إيجابي على النفس. فليس هناك أجمل من وجبة فاخرة مليئة بالنشويات وسط زحام المشروع، أو جذب تعليق من صورة نبعثها على قنوات التواصل الاجتماعي في انتظار شخص ما يعلق أو يمدحنا عليها. والتحدي الأكبر هنا يكون في عدم الاستسلام لمثل هذه المشاعر، ومقاومة رغبة الانغماس فيها لوقت طويل وترك ما بدأنا به من عمل حقيقي.

السعادة أو الإرضاء الفوري في متناول اليد، بالنسبة لنا، أفضل من انتظار الإرضاء النفسي بعد فترات طويلة، لذا من الأفضل لك أن تختار المعاناة الآن، على أمل الإرضاء في المستقبل بدلاً من اختيار مواصلة الإرضاء الحالي على أمل ألا تكون المعاناة في المستقبل ضرورية.

القاعدة رقم «١» في محاولة التطوير والإنجاز وخلق أعمالاً حقيقية في أي ممارسة نقوم بها في حياتنا في ظل الازدحام المعلوماتي ووهم الإنجازات، هي «التقليل» مما نعتقد أنه إنجاز، وهو في الحقيقة «وهم إنجاز».

إنقاصنا للأربع ساعات المتفرقة خلال يومنا على قنوات التواصل الاجتماعي، هي الخطوة الأولى لكي نبدأ بكتابة كتابنا الجديد، أو رسم لوحتنا القادمة. وإنقاص ساعة من أصل ساعتين في وقت المساء من مشاهدة التلفاز، هي الخطوة الأولى للإنجاز في قراءة المزيد من الكُتب.

تذكر أن الوعي بأننا نوهم أنفسنا بإنجاز شيء ما هو الخطوة رقم «صِفر»، والخطوة رقم «واحد» هي التخلص من هذا الأمر والبدء فعلاً بعمل إنجازات ذات قيمة في حياتنا.

بتصرف من كتاب وهم الإنجاز

Share and Enjoy