يحكى أن ضفادع كانت تقفز مسافرةً بين الغابات ، وإذا اثنتان منها تقعان في بئر عميقة يستحيل الخروج منها .. نظرتْ الضفادع في الأعلى إلى صديقتيها الواقعتين في البئر بعين الحسرة وظنت أنهما لا بد هالكتان ، وبدأت الضفادع تنقل شعورها إلى صديقتيها في الأسفل مُعْلِمَةً إياهما أنهما لا بد ميتتان ؛ فلا داعي لبذل الجهد والتعب للخلاص من هذا المأزق الذي لا حلّ له .

لكنّ حلاوة الروح دفعت بالضفدعتين إلى المحاولة بكل ما أوتيتا من قوة للخروج ، ومع كل خطوة إلى طريق النجاة كان هناك تيار معاكس من التثبيط القوي الآتي من الضفادع في الأعلى التي كانت تصرّ عليهما بألاَّ يتابعا المسير ؛ لأنهما لا بد ميتتان .

استمرت الضفدعتان بالمحاولة ، واستمرت الضفادع في الأعلى بالدعوة إلى توفير الجهد والطاقة والتعب ، وإيقاف المحاولة ؛ فالأمر عسيرٌ عسير .

وبعد سلسلة من المحاولات ، انصاعت إحدى الضفدعتين لإيحاءات الضفادع في الأعلى التي جعلتها تقتنع بأن لا جدوى للسير قُدُماً ، فاعتراها اليأس واستسلمت للأمر الواقع وكفّت عن المحاولة ، فسقطت ميتة .

أما الأخرى ، فلم تُعِرْ لكلامهنّ أية أهمية ، وبدتْ كما لو أنها صمّت سمعها وفؤادها عن كلامهنّ وإيحاءاتهنّ السلبية ، وتابعت القفز أسرع وأسرع حتى وصلت حافة البئر وقفزت إلى خارجه ونجت .

وبعد الترحيب بها والتهنئة بسلامتها ، اكتشفت الضفادع أنها لم تكن تسمع صياحهنّ ؛ إذ ما هي إلا ضفدعة مصابة بصمم جزئي ؛ ذلك الصمم الذي جعلها تعتقد أن صديقاتها في الأعلى يشجعنها على المضي قُدُماً في طريق النجاة مما ضاعف عزمها ، ولما نجت شكرتهنّ وعبَّرت لهنّ عن امتنانها لتشجيعهن الذي بسببه نجت .

ويتضح من ذلك أن كلمات أحيت الضفدعة ، وكلمات أماتت صديقتها .

يا لقوة الكلمات !

يقول الكاتب والطبيب النفسي ( رودلف دريكوس ) ” يحتاج الطفل إلى التشجيع مثلما يحتاج النبات إلى الماء ” ؛ فإذا كان هذا حال الصغير الذي قلما يصطدم بجدران المصاعب القاسية ؛ فما بال الراشد الكبير الذي يفاجأُ كل يوم بأرطال من الصعاب الكثيرة التي تنوء بحملها الجبال ؟!

إذاً ؛ فقد كان من الأفضل لـ ( دريكوس ) أن يقول ” يحتاج الإنسان إلى التشجيع مثلما يحتاج النبات إلى الماء ” .

فالتشجيع هو احتياج إنساني أساسي ، ويؤكد علماء النفس على أهمية التشجيع ؛ إذ يرونه المحرك والدافع لمواصلة الأعمال وتنميتها .

ونرى كثيراً من الناس لا يعيرون أهمية لصدى كلماتهم ووقعها في نفوس الغير ، فتراهم لا يفكرون بما يقولون ، ولا يأبهون بمشاعر الآخرين .

وهناك من الأشخاص من تعدّى هذه المرحلة وتنبّه إلى أثر الكلمات الإيجابية في النفس ، فتراهم يحدثون الآخرين بكلمات وتعبيرات جميلة المظهر ، إلا أنها للأسف لا تملك ذلك الأثر الفعال . لماذا ؟ لأنها غير صادقة ولا تقال بإخلاص ، فالكلمات التي تخرج منا تكون محمّلة بطاقة ناطقها الفعلية .. فإما طاقة الحب.. أو المجاملة .. العطف … اللامبالاة … التملّق … الكره … إلخ .

إذاً ؛ كي يكون للكلام والتشجيع أثره الإيجابي ، يجب قبْلاً خلق جو من الألفة والمودة مع الأشخاص الذين نرغب بتشجيعهم ؛ ذلك كي نستطيع ملامسة قلوبهم ؛ فالكلمة التي تلامس القلب يكون لها أكبر الأثر . كما يجب أن نفكر بالدوافع وراء كلماتنا لماذا نشجع الآخر؟ ما الذي يدفعنا إلى ذلك أهو مجرد الحب ، أم مجرّد الكلام ، أم ماذا ؟

لذا ؛ فإن كنتَ جادّاً في رغبتك في تشجيع الآخرين حبّاً بالبشر ورغبةً في خلق مجتمع فاضل ، فحاول أن تلتقط التلميحات التي يرسلها هؤلاء ؛ فتلميحاتهم إعلان عن احتياجاتهم المستترة ، التقط هذه التلميحات وحاول أن تجد الحلول وتشجع الآخرين بحماسة ، مستعيناً بدفء الكلام وعذوبته ورقته وصدقه .

فالكلمات قد تؤلم وقد تُفرِح ، والأكثر من ذلك أن بإمكانها أن تغير اتجاه الحياة ومسراها ، من مسرى سلبي أو مسرى غامض إلى آخر غاية في الوضوح والإيجابية .

من أهم الفئات التي تحتاج إلى التشجيع والكلام الإيجابي فئة الأطفال ، وللكلمة المنطوقة الموجهة إلى الطفل قوة ما بعدها قوة ؛ ذلك لأن كل كلمة أو جملة تقال له تحمل في طياتها رسالة ضمنية موجهة له بخصوص العالم ، وذلك لأن للطفل خيالاً رحباً واسعاً لا محدوداً وهو يستخدمه في كل أوقاته .

فعندما نوجه للطفل كلاماً ما ( تشجيعاً أو تثبيطاً ) يبدأ الطفل بالحديث مع ذاته عما سمعه من الآخرين من رسائل ( أنتَ ) . مثلاً لقد كنتَ شجاعاً اليوم ( تشجيع ) . أنت كسول مثل أخيك ( تثبيط ) .

بعدها يبدأ خيال الطفل بالبحث عن أدلة تثبت تلك الرسائل ، فإن وجد صورة أو محادثة تعزز التشجيع أو التثبيط ركز على الأمر وعممه على شخصيته ( أنا فعلاً شجاع ) أو ( أنا فعلاً كسول مثل أخي ) .

وتتحول هذه التعميمات مع الزمن والتكرار إلى معتقد عن ذاته ، مما يتولد عنه سلوكه مع الآخرين … إن كان إيجابياً فسلوك إيجابي ، وإن كان سلبياً فلا بدّ للسلوك أن يكون سلبياً هو أيضاً .

إذاً ؛ كلامنا وتشجيعنا أو تثبيطنا هو الذي يخلق أشكال السلوك التي نحبها أو نكرهها في أطفالنا .

ولتحرص على تشجيع نفسك لتتخلص من آثار الكلمات السلبية التي وُجِّهت إليك سابقاً والتي ربما توجه إليك كل يوم .

بتصرف للأستاذة عبير العقاد